رغم الهدوء الأمني النسبي الذي شهدته الأراضي الفلسطينية المحتلة في الأيام الأخيرة بعد أسبوع من التوتر المتصاعد، بسبب اعتداءات المستوطنين في المسجد الأقصى، فما زال القلق يساور المحافل الأمنية والسياسية الإسرائيلية بأن الأحداث الأخيرة شكلت تغييرا زاحفا في الوضع الراهن للمسجد الأقصى، في ظل تنامي التأثير المتزايد لحركات المقاومة، وضعف الشراكة الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية، مما يأخذ الاحتلال إلى وضع حتمي من المسار التصادمي.
ولم تساعد محاولات حكومة بينيت- لابيد للتحلي بضبط النفس خلال شهر رمضان والأعياد اليهودية، في تبديد المخاوف الإسرائيلية، خاصة عندما اشتعلت النيران في الأقصى، ورآها الجميع في الأراضي الفلسطينية والعواصم المجاورة، وبعد أن تراجعت القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة من الأجندة الدولية والعربية، بسبب الحرب في سوريا، والتهديد الحوثي لدول الخليج، والفوضى في العراق، فقد أعادت أحداث الأقصى القضية الفلسطينية مجددا لصدارة الأحداث.
وقالت، إنه "عندما تشتعل النيران في الأقصى فإن كل شبكات التواصل الاجتماعي باللغة العربية، وجميع القنوات الإعلامية والمواقع الإخبارية ستسلط الأضواء على الأقصى، حتى يظن أحد المارة الإسرائيليين أنها الحرب العالمية الثالثة".
وأضافت أن "المتطرفين اليهود من جماعة الهيكل يتحدثون بصراحة وعلانية عن تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، معربين عن إحباطهم من تخلي الحكومة عن تحقيق أطماعهم الدينية، ويعتقدون أنه آن الأوان لتغيير الوضع في الأقصى بشكل جذري، والنتيجة أن المزيد والمزيد من اليهود يقتحمون الأقصى، ويصلون هناك، خلافا لموقف كبار الوزراء الذين يعدون بأنه لن يكون هناك تغيير، سواء بالصلاة اليهودية في الأقصى، ونوايا تقديم القرابين أو بناء الهيكل الثالث".
تزامنت هذه الأحداث الأخيرة مع مشاهدة أعلام حماس في ساحات المسجد الأقصى، ووجود خطباء داخل المساجد يحرضون علانية على منع المستوطنين من اقتحام الأقصى، فيما يحول الشباب ساحاته بسهولة إلى مستودع من الحجارة والكراسي المكسورة وغيرها من الأدوات التي استخدموها أثناء الاشتباكات مع شرطة الاحتلال، بالتزامن مع فشل ممثلي الوقف الفلسطيني والأردني في منع هذا الحراك المقدسي، لأن تأثيرهم بالكاد يكون ملحوظًا.
هذا التخوف الإسرائيلي من تحول أي حدث في الأقصى إلى مسار حتمي للصدام، يؤكد أنه قادر على إعادة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى أصوله الدينية وجذوره التاريخية، بل إنه عمل على تبديد فرص نجاح الاتفاقيات التطبيعية، وكأن لسان حال المقدسيين أنهم لا يقبلون التطبيع مع العالم العربي هناك، ومستعدون لفعل الكثير للإضرار بمسار تحسين العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، بدليل القدرة على إخراج المظاهرات في العواصم العربية تضامنا مع الأقصى.
وترصد الأوساط الإسرائيلية ما شهدته شبكات التواصل في الأيام الأخيرة وهي تعج بالتحريض على الاشتباك مع الاحتلال، مما ساهم في تفجير الوضع في القدس والضفة الغربية وغزة، وإحداث شرخ بين إسرائيل والدول العربية المطبعة، تحت عنوان "الأقصى في خطر"، مما يعني أن هذا المكان المقدس مشحون بعناية خاصة، لاسيما في أيام شهر رمضان، مما يشير لقناعة إسرائيلية متزايدة مفادها أن أي مواجهة في الأقصى تعني اشتعال فتيل القنبلة الموقوتة قبل فوات الأوان.
اضف تعقيب