تعيش عائلة المهندس فؤاد سعيد أبو سكيك في قرية بير المشاش مسلوبة الاعتراف في النقب. بالرغم من شظف العيش وعدم وجود خدمات، إلا أنّ العائلة تحاول قدر الإمكان أن تعيش في بيت يمنحها الراحة والرفاهية، وككل عائلة في قرية غير معترف بها، تحاول أن تتعايش مع الأوضاع. ولكن حياة عائلة فؤاد ووفاء تحولت إلى فاجعة إنسانية، بسبب مرض وراثي نادر، حيث استقبلت طاقم "كل العرب" لتبعث رسالة إلى الجميع بأن عليهم القيام بفحوصات وراثية قبل الاقبال على الزواج، وخلال الحمل من أجل التأكد من صحة الأجنة.
في عام 2004 تزوج فؤاد أبو سكيك من قريبته وفاء، لينجب بعدها ستة أطفال ولم يكن يعرف هو وزوجته أنّ القدر يخبئ لثلاثة منهم مأساة كبيرة تضاف إلى مآسيهم اليومية التي تشبه سكان كل قرى النقب غير المعترف بها، حيث باتت أكبر المشاكل صغيرة في أعينهما بالنظر إلى فاجعتهما الشخصية التي أفقدتهما ثلاثة من فلذات أكبادهم منذ عام 2012 وها هم في عام 2022 يدفنون ابنهم الثالث تحت التراب، بسبب مرض عضال يفتك بأجساد صغيرة لأسباب وراثية نادرة يصعب مجابهتها.
لا كلمة تواسي هذه العائلة في مصابها الجلل، التي دفنت ابنها الثالث – محمود - الأسبوع الماضي لينضم إلى شقيقيه صفاء وقاسم اللذان توفيا قبل نحو عقد.
ويروي الأب الثاكل فؤاد سعيد أبو سكيك في حديث خاص لمراسل "كل العرب" الذي زاره في بيته: "رزقنا الله بابنتنا البكر صفاء عام 2006 وبعدها بعامين رزقنا الله بابننا قاسم. في العام 2010 بدأت تظهر مشاكل صحية مع صفاء، وبعد بحث وزيارة لأطباء وطب شعبي، انتهت بزيارة لدى طبيب عائلة عربي متخصص بالأورام، حيث قام بتحويلنا إلى مستشفى سوروكا، وتبيّن أن لدى ابنتنا نوع من أنواع الأورام في الدماغ يمسى مدلوبلاستوما (ورم في المخيخ يمكن أن ينتشر إلى العمود الفقري). بدأنا فترة علاج وفي العام 2012 تبيّن أن ابني الثاني قاسم يعاني من نفس المرض".
ويضيف المهندس فؤاد: "حين تبين أن لولدينا نفس المرض كان ذلك بالنسبة لنا علامة سؤال، فبدأنا نبحث في قسم الجينات بمستشفى سوروكا بئر السبع، وتبيّن أن لدينا مشكلة جينية، تسمى متلازمة لينش، فبدأت أبحث مع ابني محمود الذي وُلد عام 2012. احدى الدلالات التي تؤكد وجود هذه المتلازمة هي بقع على الجلد تسمى "قهوة على الحليب" (كافيه او ليد)، وحين رأينا هذه البقع على جلد محمود بدأنا بفحوصات حيث تبيّن أنه يحمل نفس المتلازمة لأخويه – وهي سي.إم.أم.آر.دي ويعني ذلك أنه يحمل نسختين من الأم والأب من متلازمة لينش".
ونجح العلاج في بداية الأمر مع صفاء، وحتى أن الأب وأولاده حلقوا شعورهم معها، في وقت تلقيها العلاج الكيماوي، لكي لا تشعر بحزن، في خطوة إنسانية مميّزة. ولكن في تلك الفترة توفي قاسم – وتحديدا في الثالث من يوليو/تموز 2013، وبعده بفترة عاد المرض العضال لصفاء في الدم، وتوفيت في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014، في الفترة التي تمّ تحديد المشكلة التي تعاني منها العائلة.
وقد كان مركز حياة العائلة محاولة مستمرة لإنقاذ حياة محمود، حيث كانوا كثيرا ما يترددون على المستشفى للقيام بفحوصات وتصوير، حتى العام 2019 حيث ظهر لديه نفس المرض وتوفي الأسبوع الماضي.
على الحائط في غرفة الضيوف حيث تستقبلنا العائلة كتب أسماء الأطفال. كتبتهم الابنة ماريا اسمها إلى جانب اخويها محمد وسعيد، وكذلك أسماء صفاء وقاسم ومحمود رحمهم الله، وثلاثة أخوة قامت الأم بإجهاضهم بعد أن تبين أنهم يحملون نفس المرض، وبعد تلقي العائلة لفتوى.
ويقول فؤاد: "أولادي رحمهم الله كانوا من الناحية العقلية أذكى من غيرهم من الأطفال، وأن تفقد واحد وراء الثاني خلال عشر سنوات – حقيقة هي حسرة في القلب للأهل".
الأم الثكلى وفاء تقول: "أن لا أتمنى ما حدث معنا في أي بيت. أريد توعية للناس، بأن يقوموا بفحص جينات قبل الزواج وكذلك أثناء الحمل. مررنا بثلاث مصائب.. ثلاث ابتلاءات واحدة أصعب من الثاني، ولا نقول إلا الحمد لله على كل شيء".
اضف تعقيب