بعد أكثر من عامين من الفراغ الرئاسي في لبنان يعني بعد انقضاء أكثر من سنتين على انتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون، لم تتمكن الطبقة السياسية الحاكمة من انتخاب رئيس للبنان بسبب مصالح حزبية. وحتى الحكومة انتهت صلاحيتها وكانت حكومة تصريف أعمال. وفجأة تم انتخاب رئس دولة ورئيس حكومة حيث اعلن عن انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيسا للبنان والفاضي نواف سلام رئيسا للحكومة وهو لا ينتمي لأي حزب سياسي، وترك منصبه كرئيس لمحكمة العدل الدولية لتشكيل حكومة لبنانية قد تنقذ لبنان من فساده. إذاً الرئيس اللبناني غير حزبي نظيف اليدين سابقا وحاليا ورئيس الحكومة قاضي معروف يتمتع بسمعة دولية جيدة وما على الشعب اللبناني سوى الانتظار.
التركيبة السياسية في لبنان غريبة عجيبة وهي مهتمة بمصالحها فقط وليس بمصلحة البلد. الرئيس المنتخب جوزيف عون يعرف كل صغيرة وكبيرة عن هذه الطبقة السياسية ولذلك استدعى القاضي النزيه تواف سلام لتشكيل الحكومة وهو من خارج الصندوق. ويجمع سلام بين خبرات سياسية وحقوقية ودبلوماسية، مما يجعله من خارج الطبقة التقليدية الحاكمة في لبنان والمتهمة بالفساد وبتغليب منطق المحاصصة على بناء الدولة كما ان تشكيل حكومة مستقلة برئاسته "سيعيد الثقة الشعبية والدولية بالبلاد،.
عون يعرف تماما أن اختيار سياسي من الطبقة السياسية الموجودة حاليا لن يغير من الأمر شيئا وسيبقى نظام المحاصصة السياسية مستمراً وسيبقى النهب متواصلاً ولذلك كان اختياره صحيحا. ويبقى السؤال المطروح عما اذا كان نواف سلام قادرا على العمل في ظل الفساد المنتشر بين أبناء الطبقة السياسية.
واضح أن رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نواف سلام لا يتناسب مع مصالح حزب الله وحركة أمل رغم انهما كانا من المؤيدين له سابقا عندما تم طرح اسمه كمرشح لتشكيل الحكومة.وهناك سبب واضح لتأييد سلام في السابق: ترشيح سلام لرئاسة لحكومة مقابل ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الدولة لكن الرياح لم تجر كما اشتهتها سفن حزب الله.
ترشيح سلام هذه المرة تبنته بشكل رئيسي قوى سياسية معارضة لحزب الله، الذي أنهكته المواجهة الأخيرة مع اسرائيل. حزب الله وحركة أمل أرادوا استمرار نجيب ميقاتي في المنصب لأنه يؤمن لهم مصالحهم، ويرى بعض المحللين أن نواب حزب الله، وحليفته حركة أمل، امتنعوا عن التصويت لأي مرشح بالاستشارات النيابية بمعنى إما نجيب ميقاتي أو لا.
لكن هناك نقطة سياسية في غاية الأهمية: استدعاء القاضي نواف سلام (من خارج الصندوق) لتشكيل الحكومة اللبنانية وتجاوز كل الطبقة السياسية يدعو للتساؤل وباعتقادي له خلفية سياسية غابت عن ذهن البعض قصداً أو سهواً وعلى الأكثر قصداً.
اسمعوا وفكروا جيداً: بتخلي نواف سلام عن منصبه الدولي كرئيس لمحكمة العدل الدولية، ستخلفه نائبته القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي، المعروفة بدعمها الكامل لإسرائيل. وكانت هذه القاضية الوحيدة من بين قضاة المحكمة، التي صوتت في شهر يناير/كانون ثاني العام الماضي ، ضد الاجراءات المؤقتة التي طالبت المحكمة إسرائيل بتنفيذها في خضم حربها على غزة.
فهل فهمتم الحكاية الآن لماذا الإصرار والموافقة عربيا ودوليا (وبالتحديد أمريكياً) على تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية؟
اضف تعقيب